فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} عبر في هذه الآية ب {ما} الموصولة الدالة على غير العقلاء، ثم عبر في قوله: {قَانِتُونَ} بصيغة الجمع المذكر الخاص بالعقلاء.
ووجه الجمع: أن ما في السماوات والأرض من الخلق منه العاقل وغير العاقل، فغلب في الاسم الموصول غير العاقل، وغلب في صيغة الجمع العاقل، والنكتة في ذلك أنه قال: {بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} وجميع الخلائق بالنسبة لملك الله إياهم سواء عاقلهم وغيره، فالعاقل في ضعفه وعجزه بالنسبة إلى ملك الله كغير العاقل.
ولما ذكر القنوت وهو الطاعة وكان أظهر في العقلاء من غيرهم عبر بما يدل على العقلاء تغليبا لهم. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ}.
مَكَرَ بهم لم يُفْنِهم- من الإفناء- في الحال، بل جعل موجب اغترارهم طول الإمهال، فنطقوا بعظيم الفِرْية على الله، واستنبطوا عجيب المِرْية في وصف الله، فوصفوه بالولد! وأنَّى بالولد وهو أحدي الذات؟! لا حدَّ لذاتِه، ولا تجوز الشهوة في صفاته.
قوله جلّ ذكره: {بَل لَّهُ مَا في السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ}.
أي ليس في الكون شيء من الآثار المفتقرة أو الأعيان المستقلة إلا وتنادي عليه آثار الحِلْقَة، وتفصح منه شواهد الفطرة، وكل صامتِ منها ناطق، وعلى وحدانيته سبحانه دليلٌ وشاهد. اهـ.

.من فوائد ابن عطية في الآية:

قال رحمه الله:
قرأ هذه الآية عامة القراء {وقالوا} بواو تربط الجملة بالجملة، أو تعطف على {سعى} [البقرة: 114]، وقرأ ابن عامر وغيره {قالوا} بغير واو، وقال أبو علي: وكذلك هي في مصاحف أهل الشام، وحذف منه الواو يتجه من وجهين، أحدهما أن هذه الجملة مرتبطة في المعنى بالتي قبلها فذلك يغني عن الواو، والآخر أن تستأنف هذه الجملة ولا يراعى ارتباطها بما تقدم، واختلف على من يعود الضمير في {قالوا}، فقيل: على النصارى، لأنهم قالوا المسيح ابن الله.
قال القاضي أبو محمد: وذكرهم أشبه بسياق الآية، وقيل: على اليهود، لأنهم قالوا عزير ابن الله، وقيل: على كفرة العرب لأنهم قالوا الملائكة بنات الله، و{سبحانه} مصدر معناه تنزيهًا له وتبرئة مما قالوا، و{ما} رفع بالابتداء، والخبر في المجرور، أو في الاستقرار المقدر، أي كل ذلك له ملك، والذي {قالوا اتخذ الله ولدًا} داخل في جملة {ما في السماوات والأرض} ولا يكون الولد إلا من جنس الوالد لا من المخلوقات المملوكات.
والقنوت في اللغة الطاعة، والقنوت طول القيام في عبادة، ومنه القنوت في الصلاة، فمعنى الآية أن المخلوقات كلها تقنت لله أي تخضع وتطيع، والكفار والجمادات قنوتهم في ظهور الصنعة عليهم وفيهم، وقيل: الكافر يسجد ظله وهو كاره. اهـ.

.من فوائد ابن عرفة في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {وَقَالُواْ اتخذ الله وَلَدًا}.
ذمهم بالوصف الأعم لأنّ اتخاذ الولد يصدق على الابن حقيقة وعلى ابن التبني.
قوله تعالى: {بَل لَّهُ مَا فِي السماوات والأرض}.
إن رجع الإضراب إلى قوله: {سُبْحَانَهُ} فهو إضراب انتقال، وإن رجع إلى قوله: {اتخذ الله وَلَدًا} إضراب إبطال.
قال ابن عطية: قرأ الجمهور {وَقَالُواْ} بالواو، وأسقطها ابن عامر، إما لأن هذه الجملة في معنى ما قبلها أو مستأنفة.
قال ابن عرفة: هذا بعيد لأنه أمر واحد ومقالة واحدة، إلاّ أن يكون التعدد باعتبار اختلاف الحالات والأشخاص.
واحتجوا بالآية على أن أعمال العباد مخلوقة لله عز وجل.
واحتج بها اللّخمي على أن من ملك ولده عتق عليه، لأن الآية اقتضت منافاة الملك للولدية أى لو كان لله ولد لما صدق أنه مالك لجميع ما في السماوات والأرض واللازم باطل فالملزوم مثله.
وأجيب بالفرق بين المقامين فهذا ملك حقيقي وذلك ملك جعلي، فما يلزم من منافاة الملك الحقيقي للولدية منافاة الملك الجعلي لها.
قوله تعالى: {كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ}.
قال ابن عطية: أي كل شيء له ملك.
قال الزمخشري: أي كل ما هو في السماوات والأرض.
ابن عطية: والقنوت إما الخضوع فيصدق على الحيوان والجمادات، وإما الطاعة، فالكافر يسجد ظله وهو كاره.
قيل لابن عرفة: كيف يُوصَف الظل بالسّجود وهو هو موجود أم لا؟ فقال: الظل ظلمة خاصة باعتبار الكم والكيف فيجري على الخلاف في الظلمة: هل هو أمر وجودي أو عدمي؟ والصحيح أنها وجودية، ونص بعضهم على أن الظل عرض قام بجسم الهواء. اهـ.

.من فوائد القاسمي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ}.
يريد الذين قالوا المسيح ابن الله، وعزيرٌ ابن الله، والملائكة بنات الله، فأكذب الله تعالى جميعهم في دعواهم وقولهم: إن لله ولدًا؛ فقال: {سبحانه} أي: تقدس وتنزه عما زعموا تنزهًا بليغًا. وكلمة: {بل} للإضراب عما تقتضيه مقالتهم الباطلة من مجانسته سبحانه وتعالى لشيء من المخلوقات. أي: ليس الأمر كما زعموا، بل هو خالق جميع الموجودات التي من جملتها عزير والمسيح والملائكة، والتنوين في: {كلٌّ} عوض عن المضاف إليه. أي: كل ما فيهما، كائنًا ما كان من أولي العلم وغيرهم: {لَّهُ قَانِتُونَ} منقادون، لا يستعصي شيء منهم على تكوينه وتقديره ومشيئته، ومن كان هذا شأنه لم يتصور مجانسته لشيء، ومن حق الولد أن يكون من جنس الوالد.
قال الراغب في تفسيره: نبه على أقوى حجة على نفي ذلك، وبيانها: هو أن لكل موجود في العالم، مخلوقًا طبيعيًا، أو معمولًا صناعيًا، غرضًا وكمالًا أوجد لأجله، وإن كان قد يصلح لغيره على سبيل العرض، كاليد للبطش، والرجل للمشي، والسكين لقطع مخصوص، والمنشار للنشر، وإن كانت اليد قد تصلح للمشي في حالٍ، والرجل للتناول، لكن ليس على التمام.
والغرض في الولد للإنسان إنما هو لأن يبقى به نوعه، وجزء منه، لَمّا لم يجعل الله له سبيلًا إلى بقائه بشخصه، فجعل له بذرًا لحفظ نوعه. ويقوي ذلك، أنه لم يجعل للشمس والقمر وسائر الأجرام السماوية بذرًا واستخلافًا، لمّا لم يجعل لها فناء النبات والحيوان.
ولما كان الله تعالى هو الباقي الدائم، بلا ابتداء ولا انتهاء، لم يكن لاتخاذه الولد لنفسه معنى، ولهذا قال: {سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ} أي: هو منزه عن السبب المقتضي للولد. ثم لما كان اقتناء الولد لفقرٍ ما، وذلك لما تقدم، أن الْإِنْسَاْن افتقر إلى نسل يخلقه لكونه غير كامل إلى نفسه- بيّن تعالى بقوله: {لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} أنه لا يتوهم له فقر، فيحتاج إلى اتخاذ ما هو سد لفقره، فصار في قوله: {له ما في السماوات والأرض} دلالة ثانية، ثم زاد حجة بقوله: {قانتون} وهو أنه لما كان الولد يعتقد فيه خدمة الأب، ومظاهرته كما قال: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَة} [النحل: 72] بيّن أن كل ما في السماوات والأرض، مع كونه ملكًا له، قانتًا في المطبوع: قانت أيضًا، إما طائعًا، وإما كارهًا، وإما مسخرًا. كقوله: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [الرعد: 15]، وقوله: {إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 44] وهذا أبلغ حجة لمن هو على المحجة.
ثم قال الراغب: إن قيل من أين وقع لهم الشبهة في نسبة الولد إلى الله تعالى؟ قيل قد ذكر في الشرائع المتقدمة: كانوا يطلقون على البارئ تعالى اسم الأب وعلى الكبير منهم اسم الإله، حتى إنهم قالوا: إن الأب هو الرب الأصغر، وإن الله هو الأب الأكبر، وكانوا يريدون بذلك أنه تعالى هو السبب الأول في وجود الْإِنْسَاْن، وإن الأب هو السبب الأخير في وجوده، وإن الأب هو معبود الابن من وجه أي: مخدومه. وكانوا يقولون للملائكة: آلهة. كما قالت العرب للشمس: إلاهة، وكانوا يقصدون معنى صحيحًا كما يقصد علمائنا بقولهم: الله محب ومحبوب، ومريد ومراد ونحو ذلك من الألفاظ. كما يقال للسلطان: الملك، وقولُ الناس: رب الأرباب وإله الآلهة وملك الملوك، مما يكشف عن تقدم ذلك التعارف، ويقوي ذلك ما يروى أن يعقوب كان يقال له بكر الله، وأن عيسى كان يقول: أنا ذاهب إلى أبي. ونحو ذلك من الألفاظ، ثم تصور الجهلة منهم بآخرة: معنى الولادة الطبيعية. فصار ذلك منهيًا عن التفوه به في شرعنا، تنزهًا عن هذا الاعتقاد، حتى صار إطلاقه، وإن قصد به ما قصده هؤلاء، قرين الكفر. أهـ كلام الراغب رحمه الله. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ (116)}.
بعد أن بين الله سبحانه وتعالى أن له كل شيء في الكون لا يشغله شيء عن شيء.. أراد أن يرد على الذين حاولوا أن يجعلوا لله معينا في ملكه.. الذين قالوا اتخذ الله ولدًا.. الله تبارك وتعالى رد عليهم أنه لماذا يتخذ ولدا وله ما في السماوات والأرض كل له قانتون.. وجاء الرد مركزا في ثلاث نقاط.
قوله تعالى: {سبحانه} أي تنزه وتعالى أن يكون له ولد.
وقوله تعالى: {له ما في السماوات والأرض}.. فإذا كان هذا ملكه وإذا كان الكون كله من خلقه وخاضعا له فما حاجته للولد؟
وقوله سبحانه: {كل له قانتون}.. أي كل من في السماوات والأرض عابدون لله جل جلاله مقرون بألوهيته. قضية إن لله سبحانه وتعالى ولدًا جاءت في القرآن الكريم تسع عشرة مرة ومعها الرد عليها.. ولأنها قضية في قمة العقيدة فقد تكررت وتكرر الرد عليها مرة بعد أخرى.. وإذا نظرت للذين قالوا ذلك تجد أن هناك أقوالا متعددة.. هناك قول قاله المشركون.. واقرأ القرآن الكريم: {أَلَا إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (152) أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (153)} سورة الصافات.
وقول اليهود كما يروي لنا القرآن: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ} من الآية 30 سورة التوبة.
وقول النصارى: {وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ} من الآية 30 سورة التوبة.
ثم في قصة خلق عيسى عليه السلام من مريم بدون رجل.. الله سبحانه وتعالى يقول: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93)} سورة مريم.
والله سبحانه وتعالى يريدنا أن نعرف أن هذا إدعاء خطير مستقبح مستنكر وممقوت.. لقد عالجت سورة مريم المسألة علاجا واسعا.. علاجا اشترك فيه انفعال كل أجناس الكون غير الإنسان.. انفعال السماوات والأرض والجبال وغيرها من خلق الله التي تلعن كل من قال ذلك.. بل وتكاد شعورا منها بفداحة الجريمة أن تنفطر السماء أي تسقط قطعا صغيرة.. وتنشق الأرض أي تتمزق.. وتخر الجبال أي تسقط كتراب.. كل هذا من هول ما قيل ومن كذب ما قيل.. لأن هذا الإدعاء افتراء على الله. ولقد جاءت كل هذه الآيات في سورة مريم التي أعطتنا معجزة خلق عيسى.. كما وردت القضية في عدة سور أخرى.
والسؤال هنا ما هي الشبهة التي جعلتهم يقولون ولد الله؟ ما الذي جعلهم يلجأون إلي هذا الافتراء؟ القرآن يقول عن عيسى بن مريم.. كلمة الله ألقاها إلي مريم.. نقول لهم ام المقصود بكلمة الله هنا هي كلمة {كن}. لماذا فتنتم في عيسى ابن مريم هذه الفتنة؟ والله سبحانه وتعالى يشرح المسألة فيقول: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (59)} سورة آل عمران.
قوله كمثل آدم لمجرد مجاراة الخصم.. ولكن المعجزة في آدم أقوى منها في عيسى عليه السلام.. أنتم فتنتم في عيسى لأن عنصر الأبوة ممتنع.. وآدم امتنع فيه عنصر الأبوة والأمومة.. إذن فالمعجزة أقوى.. وكان الأولى أن تفتنوا بآدم بدل أن تفتنوا بعيسى.. ومن العجيب أنكم لم تذكروا الفتنة في آدم وذكرتم الفتنة فيما فيه عنصر غائب من عنصرين غائبين في آدم.. وكان من الواجب أن تنسبوا هذه القضية إلي آدم ولكنكم لم تفعلوا. ورسول الله صلى الله عليه وسلم.. قال له الله إن القضية ليست قضية إنكار ولكنها قضية كاذبة.. واقرأ قوله تبارك وتعالى: {قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81)} سورة الزخرف، أي لن يضير الله سبحانه وتعالى أن يكون له ولد.. ولكن جل جلاله لم يتخذ ولدا.. فلا يمكن أن يعبد الناس شيئا لم يكن لله.. وإنما ابتدعوه واختلقوه.. الله جل جلاله يقول: {وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه بل له ما في السماوات والأرض}.
قوله تعالى: {بل له ما في السماوات والأرض} تعطي الله سبحانه وتعالى الملكية لكل ما في الكون.. والملكية تنافي الولدية.. لماذا؟ لأن الملكية معناها أن كل ما في الكون من خلق الله.. كل شيء هو خالقه بدون معارض.. ومادام هو خالقه وموجده.. فلا يمكن أن يكون هذا الشيء جزءا منه.. لأن الذي يخلق شيئا يكون فاعلا.. والفاعل له مفعول.. والمفعول لا يكون منه أبدا.. هل رأيت واحدا صنع صنعة منه؟ الذي يصنع سيارة مثلا.. هل صنعها من لحمه أو من لحم البشر؟ وكذلك الطائرة والكرسي والساعة والتليفزيون.. هل هذه المصنوعات من جنس الذي صنعها؟ طبعا لا.
إذن مادام ملكية.. فلا يقال إنها من نفس جنس صانعها.. ولا يقال إن الفاعل أوجد من جنسه.. لأن الفاعل لا يوجد من جنسه أبدا.. كل فاعل يوجد شيئا أقل منه.. فقول الله: {سبحانه}.. أي تنزيه له تبارك وتعالى.. لماذا؟ لأن الولد يتخذ لاستبقاء حياة والده التي لا يضمنها له واقع الكون.. فهو يحمل اسمه بعد أن يموت ويرث أملاكه.. إذن هو من أجل بقاء نوعه.. والذي يريد بقاء النوع لا يكفيه أن يكون له ولد واحد. لو فرضنا جدلا إن له ولدًا واحدًا فالمفروض أن هذا الولد يكون له.. ولكننا لم نر أولادا لمن زعموا أنه ابن الله.. وعندما وقبلما يوجد الولد ماذا كان الله سبحانه وتعالى يفعل وهو بدون ولد؟ وماذا استجد على الله وعلى كونه بعد أن اتخذ ولدا كما يزعمون.. لم يتغير شيء في الوجود.. إذن إن وجود ولد بالنسبة للإله لم يعطه مظهرا من مظاهر القوة.. لأن الكون قبل أن يوجد الولد المزعوم وبعده لم يتغير فيه شيء.
إذن فما سبب اتخاذ الولد؟ معونة؟ الله لا تضعف قوته.. ضمان للحياة؟ الله حياته أزليه.. هو الذي خلق الحياة وهو الذي يهبها وهو حي لا يموت.. فما هي حاجته لأي ضمان للحياة؟ الحق سبحانه وتعالى تنفعل له الأشياء.. أي أنه قادر على إبراز الشيء بمقتضى حكمه.. وهو جل جلاله له كمال الصفات أزلا.. وبكمال صفاته خلق هذا الكون وأوجده.. لذلك فهو ليس في حاجة إلي أحد من خلقه.. لأنه ساعة خلق كانت له كل صفات القدرة على الخلق.. بل قبل أن يخلق كانت له كل صفات الخالق وبهذه الصفات خلق.. والله سبحانه وتعالى كان خالقا قبل أن يوجد من يقهره.. وكان توابا قبل أن يوجد من يتوب عليه.. وبهذه الصفات أوجد وخلق ورزق وقهر وتاب على خلقه.
إذن كل هذا الكون لم يضف صفة من صفات الكمال إلي الله.. بل إن الله بكمال صفاته هو الذي أوجد. ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى في حديث قدسي: «يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد، فسألوني، فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك من ملكي شيئا إلا كما ينقص المخيط إذا غمس في البحر» رواه مسلم في البر، ورواه أحمد.
ثم إذا كان لله سبحانه وتعالى زوجة وولد.. فمن الذي وجد أولا؟.. إذا كان الله سبحانه وتعالى قد وجد أولا.. ثم بعد ذلك أوجد الزوجة والولد فهو خالق وهما مخلوقان.. وإن كان كل منهم قد أوجد نفسه فهم ثلاثة آلهة وليسوا إلها واحدا.. إذن فالولد إما أن يكون مخلوقا أو يكون إلها.. والكمال الأول لله لم يزده الولد شيئا.. ومن هنا يصبح وجوده لا قيمة له.. وحين يعرض الحق تبارك وتعالى هذه القضية يعرضها عرضا واسعا في كثير من سور القرآن الكريم وأولها سورة مريم في قوله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88)} سورة مريم.
إنه سبحانه منزه عن التماثل مع خلقه.. لا بالذات ولا بالصفات ولا بالأفعال.. كل شيء تراه في الوجود.. الله منزه عنه.. وكل شيء يخطر على بالك فالله غير ذلك.
قوله تعالى: {له ما في السماوات والأرض}.. فتلك قضية تناقض اتخاذ الولد لأن كل ما في السماوات والأرض خاضع لله.
قوله تعالى: {كل له قانتون}.. أي خاضعون، وهذا يؤكد لنا أن كون الله في قبضة الله خاضع مستجيب اختيارا أو قهرا لأمر الله. اهـ.